السماءُ تمطرُ وروداً عيسى عزيز إسماعيل
** في الطَّريقِ إِلىْ وردةٍ عَصيَّةٍ إلا عَلَى اَلْخَيَالِ,ارتَدَىْ الْعَاشِقُ عَبَاْءَةَ الغَابَاتِ, وَرَتَّلَ مَا تَيَسَّرَ مِنْ سُورَةِ العِطْرِ,
ثُمَّ امْتَطَى صَهْوَةَ الحُلْمِ , وَحَلَّقَ فِيْ فَضَاءَاتٍ عَارِيَةٍ عَاليَةٍ,وَلَمَّا أَلَحَّتْ عَلَيْهِ الفَضَاءَاتُ, أوغَلَ فِيْ التَّحْليقِ البَعيدِ.
**ظَلَّتِ الوردةُ عَصيَةً ,وَأمَامَ ذلكَ العِصْيَانِ, وَجَدَ نَفْسَهُ أمَامَ خَيارَيْنِ اثنَينِ:إمَّا أنْ يَنْسُجَ فَضَاءً على قَدِّ جَناحَيهِ,
وَإمَّا أنْ يَجْعَلَ جَناحَيْهِ مَدَّ الفَضَاءِ, وَإذا لَمْ يَخْتَرْ,خَسِرَ الأجنِحَةَ وَالفَضَاءَاتِ فِيْ آنٍٍ .
**كانَتِ البَرَاريْ تُشيرُ إلى أجنِحَةٍ أرْهَقَهَا التَّحْليقُ, وَكانَتِ السَّمَاوَاتُ تشِيرُ إلى وردةٍ تَتَلامَحُ قَيدَ تَحليقَتينِ أو أدْنَى,
فَمَا كَانَ مِنْهُ إلا أنْ هَدَّدَ الأجنِحَة َالمتعبة, وَمَضَى إلى الوردةِ .
**على غَيْرِ مَوْعِدٍ, ارتطَمَتِ الأجنِحَة ُالمُتْعَبَةُ بأسْتَارِ الظَّلامِ المُبَاغِتِ الذِي نَشَرَ قطعَانَهُ السَّودَاءَ,
فتَعَرَّضَ العَاشِقُ لحَادِثِ حُبٍّ مُبَاغِتٍ, وَهَوَى مُضَرَّجَاً بالعِطْرِ وَالحُلمِ وَالقَصيدَةِ, وَأمْعَنَ في النَّزْفِ بَعْدَ الهَاويةِ .
**هَرَعَتْ إليهِ الوردةُ لتَجِدَهُ عِنْدَ مُفْتَرَقِ الحُلْمِ, وَقَدْ نَزَفَ بَاقَةَ نِسَاءٍ وَأُضْمُومَةَ مَوَاعيدٍ, وَكمْشَةَ ذِكْرَياتٍ,
وَحَفْنَةَ عِطْرٍ وَلِهَذا سَارَعَتِ الوردةُ إلى تَضْميدِهِ بِمَا تَيَسَّرَ مِن ْتَراتِيلَ الأرِيجِ وَالعَبيرِ الفَوَّاحِ .
***بَعْدَ تَضْميدٍ مُضْنٍ,تَوَقَّفَ النَّزْفُ الجَميلُ,فَحدَّقَتِ الوردةُ في الأجنِحَةِ المَهيضَةِ,
وَسَألتْهُ بحنُوٍّ: لمَاذا لا تُحَلِّقُ إلا عَالياً,أجَابَ العَاشِقُ: لأنَّني أهْوَى وردةً بآلافِ الأجنِحَةِ!! .
**قَيْدَ النَّزْفِ, تَرَاءَتْ بَاقةٌ مُحتمِلَةٌ ,فبَادَرَتِ الوردةُ إلى تَضْميدٍ وقائيٍّ وَلمَّا أتَمَّتْ عِطْرَها,
عَادَتْ إلى السُّؤَالِ مِنْ جَديدٍ:لِمَاذا هَوَيتَ على ذلكَ النَّحوِ المُبَاغِتِ؟ فَمَا كانَ مِنْه ُإلا أنْ أجَابَ : كلَّمَا امتدَّتِ الأجنِحَةُ ,ضَاقَتِ الفَضَاءاتِ .
** لمَاذا لمْ يتَسنَّى لي أنْ ألامِحَكِ قُبَيلَ الهَاويَةِ؟ هَكَذا سَألَ العَاشِقُ الوردة َفمَا كانَ مِنَ الوردةِ إلا أنْ أجَابَتْ:لأنَّكَ كنْتَ
قَريباً منِّي!!..ثمَّ أرْدَفَتْ قائلةً: حَاولْ أنْ تَبتَعِدَ عنِّيْ كيْ تَرَاني!!
**قِيلَ: بعدَ فَضَاءَاتٍ طَويلَةٍ,عَادَ العَاشِقُ إلى التَّحْليقِ مِنْ جَديدٍ,وَمَضَى عَنْ سَابقِ إصْرَارٍ وَتَصْمِيمٍ إلى حَادِثِ حُبٍّ
غَيْرَ مُبَاغِتٍ,وَأوْغَلَ فِي نَزْفِ المَوَاعيدِ والذِّكرياتِ والعِطرِ,دونَ أن يبديَ أدنى رغبة ٍ في التَّضميدِ
**وَقِيلَ :على أهبَّةِ الوردِ,وَقَفَ العَاشِقُ على أطْلالِ أجنِحَةٍ مَهيضَةٍ,وَفَضَاءَات ٍٍغابرةٍ,ورَاحَ يُلَملِمُ مَا تبَعْثَرَ مِنَ البَاقَاتِ
وَالحَفَنَات ِوَ (الكمَشَاتِ),وَنثَرَها هُنَا وَهُنَاكَ,حَتَّى تلبَّسَتْ وَجْهَ الفَضَاءِ فَغَامَتِ السَّمَاءُ بالورودِ,وَأمْطَرَتْ عِطْراً وَشِعْرَاً
وَحُبّاً.